كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 8)

حكيم -كما بينته عند تخريج الحديث- إنما هو بالنهي عن بيع الطعام حتى يستوفى، لم يكن فيه دليل على اشتراط وجود المسلم فيه مملوكًا عند البائع، وإنما النهي عن بيع ما ليس عندك ثبت من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وليس فيه القصة التي ذكرها حكيم، وهو مطلق، ويمكن حمله على النهي عن بيع شيء معين لا يملكه، كما حمله الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى.
وسوف يأتي إن شاء الله تعالى مزيد بسط لهذه المسألة في بحث: خلاف العلماء في السلم الحال، في هذا البحث.

القول الثاني:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن عموم حديث لا تبع ما ليس عندك يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السلم مطلقًا، لكن جاءت الأحاديث في جواز السلم المؤجل، وبقي النهي عن السلم الحال، وعليه يكون السلم المؤجل قد استثني من بيع ما ليس عند البائع. وبقي النهي عن بيع ما ليس عند البائع يشمل أمرين:
بيع المعين مما ليس مملوكًا له.
وبيع الموصوف في الذمة إذا كان حالًا، وهو ما يسمى بالسلم الحال (¬١).
---------------
(¬١) انظر في مذهب الحنفية: الحجة محمَّد بن الحسن (٢/ ٦١٤)، الهداية شرح البداية (٣/ ٧٣). وأما في مذهب المالكية، فجاء في المدونة (٤/ ٣٠): "قال مالك: كل من اشترى طعامًا، أو غير ذلك، إذا لم يكن بعينه، فنقد رأس المال، أو لم ينقد، فلا خير فيه، طعامًا كان ذلك، أو سلعة من السلع، إذا لم تكن بعينها، إذا كان أجل ذلك قريبًا يومًا، أو يومين، أو ثلاثة فلا خير فيه، إذا كانت عليه مضمونة؛ لأن هذا الأجل ليس من آجال السلم ... فإن كانت سلعة بعينها، وكان موضعها قريبًا اليوم، واليومين، ونحو ذلك طعامًا كان، أو غيره، فلا بأس بالنقد فيه". =

الصفحة 45