كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 8)
في الأنفسِ والآفاقِ ما عظّمَ الخالقَ في قلوبها .. حَزِنون على أيامٍ تُعَمَّرُ فيها المساجدُ بالمصلينَ والتَّالينَ والذاكرينَ ..
إي وربي، إنهم حزِنونَ على كلِّ فرصةٍ للطاعةِ تُضاعَفُ فيها المثوبة، وحزِنونَ أكثر إذ تَهْجُرُ فِئامٌ من المسلمينَ هذه الطاعاتِ أو بعضَها إلى رمضانَ القادمِ .. وبين الرمضانيين مَفاوزُ لا تنقطعُ فيها أعناقُ الإبلِ فقط، بل وتنقطعُ فيها أنفاسُ البشر، ويرحلُ عن هذه الحياةِ جُموعٌ من المسلمينَ استكملت رزقَها وأجلَها، وأتاها اليقينُ من ربِّها.
أيّها المسلمونَ: لقد فازَ في رمضانَ من جاهدَ نفسَه على طاعةِ الله، فكانَ في عِدادِ الحافظينَ لصيامِهِم من قولِ الزورِ وعملِ الزورِ، وكانَ في عدادِ القائمينَ والراكعينَ والساجدينَ والمستغفرينَ بالأسحارِ .. وكان من المساهمينَ في الدعوةِ والإحسانِ .. أجل، إنها نفوسٌ استطاعت أن تَشُدّ المَآزِرَ، وأن تتجافى المضاجِعَ .. وأن تتغلبَ على أهواءِ النفسِ .. وعسى اللهُ أن لا يحرمَ هؤلاءِ الأجرَ، وأن يُضاعِفَ لهم المثوبةَ، وأن يتجاوزَ لهم عن الخطيئةِ والغفلةِ، ولكن ماذا بعدَ رمضانَ؟ إن ثمّةَ فئةً أُخرى قادرةٌ على مواصلةِ المسيرِ بعد رمضانَ .. وعندها هِمّةٌ على مراقي العزّ في شوالَ وما بعدَه من أيام وشهورِ العام .. أولئكَ أحسُّوا بلذةِ الطاعةِ فما عادوا يُطيقونَ هجرَها .. وأولئكَ وفَّقهمُ الله لعملِ الحسنةِ على إثرِ الحسنة. وعملُ الحسنةِ اللاحقةِ مؤشّرٌ على قَبول الحسنةِ السابقة، وفضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ، أولئكَ يَسْتَشْعِرونَ أن قِصَرَ الحياةِ الدنيا - بجانب الآخرةِ - لا يستحقُّ أن يُصرَفَ من العمرِ شيءٌ بالعبثِ واللَّهوِ والغفلةِ والتفريط .. وهذه الحياةُ الدنيا متاعٌ، والآخرةُ دارُ القرارِ.
يا أخا الإسلامِ: وحين تزدحمُ هذه المشاعرُ الفياضةُ بعد رمضانَ .. فإني
الصفحة 4
304