كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

[(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ* وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ* إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)].
(أَلَّا تَعْبُدُوا) مفعولٌ له على معنى: لئلا تعبدوا. أو تكون «أن» مفسرة؛ لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا الله، أو: أمركم أن لا تعبدوا إلا الله (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا)، أي: أمركم بالتوحيد والاستغفار. ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأً منقطعاً عما قبله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم في العدول من قوله: أحكم آياته الحكيم وفصلها الخبير، إلى الدرجة الثانية: أحكمت آياته ثم فصل الحكيم الخبير، نحو: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ) [النور: 36 - 37]، ثم إلى الثالثة الكناية واختصاص (مِنْ لَدُنْ) المنبئ عن على الحضرة الصمدانية، والجناب الفرداني: من الإجلال والتعظيم ما لا يصل إلى كنهه وصف الواصف.
قوله: (كأنه قيل: قال: لا تعبدوا): قيل: لما ذكر أن "أنْ" مفسرة، أتى تارة بالقول الصريح بدون "أن"، وتارة بما في معنى القول مع "أنْ"، وهما سواء.
قوله: (مبتدأ منقطعاً عما قبله): أي: غير متصل بما قبله اتصالاً لفظياً كما في الوجوه، بل اتصالاً معنوياً، كأنه لما قيل له: إنا أنزلنا إليك كتاباً موصوفاً بصفات الكمال؛ امتناناً عليه، قال: فماذا يجب علي إذن؟ فقيل: أن تشتغل بما أمرت به من البشارة والنذارة، وتقول لأمتك: الزموا التوحيد والاستغفار.

الصفحة 10