كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
(فَاصْبِرْ) على تبليغ الرسالة وأذى قومك، كما صبر نوح وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما قيض لنوح ولقومه (إِنَّ الْعاقِبَةَ) في الفوز والنصر والغلبة (لِلْمُتَّقِينَ).
وقوله (وَلا قَوْمُكَ) معناه: إنّ قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم ولا سمعوه ولا عرفوه، فكيف برجلٍ منهم؟ ! كما تقول لم يعرف هذا عبد الله ولا أهل بلده.
[(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ* يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ* وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما قيض لنوح)، الجوهري: "قيض الله فلاناً لفلان؛ أي: جاءه به وأتاحه- أي: قدره- له"، والذي قدر لنوح: هو النجاة، ولقومه: الهلاك.
قوله: (لم يعرف هذا عبد الله ولا أهل بلده): إشارة إلى أن الأسلوب من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى- كقوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى) [البقرة: 120]- لقوله: "إن قومك على كثرتهم إذا لم يعرفوه، فكيف برجل منهم"، فوضع "برجل منهم" موضع "أنت" اعتباراً للقلة، لتحصيل الترقي.
ويجوز أن يكون من باب التكميل، لأن تلك الأنباء مقصوصة لتسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذاء قومه له، يدل عليه ترتب قوله: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) عليها، ثم ضم إليه ما يتنبه به القوم على التهديد، كأنه قيل: إنما قصصنا عليك وعلى قومك قصة نوح ليكون تسلياً لك واعتباراً لقومك.
الصفحة 101
656