كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(أَخاهُمْ) واحداً منهم، وانتصابه للعطف على (أرسلنا نوحاً) [هود: 25]، و (هُوداً) عطف بيان. و (غَيْرُهُ) بالرفع: صفة على محل الجار والمجرور. وقرئ: غيره، بالجرّ صفة على اللفظ (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء.
ما من رسولٍ إلا واجه قومه بهذا القول، لأنّ شأنهم النصيحة، والنصيحة لا يمحصها ولا يمحضها إلا حسم المطامع، وما دام يتوهم شيء منها لم تنجع ولم تنفع (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إذ تردّون نصيحة من لا يطلب عليها أجراً إلا من الله. وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك.
قيل: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) آمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره، لأن التوبة لا تصلح إلا بعد الإيمان، و"المدرار": الكثير الدرور، كالمغزار. وإنما قصد استمالتهم إلى الإيمان وترغيبهم فيه بكثرة المطر وزيادة القوّة، لأنّ القوم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات، حراصاً عليها أشد الحرص،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي قول المصنف: " (فَاصْبِرْ) على تبليغ الرسالة وأذى قومك، كما صبر نوح، وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما قيض لنوح ولقومه": إشعار به، وفي قوله تعالى: (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ): تعريض بالمشركين، وتنبيه على الدمار.
قوله: (لا يمحصها): محصت الذهب بالنار: إذا خلصته مما يشوبه.
قوله: ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) آمنوا به، (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) من عبادة غيره): قال القاضي: "اطلبوا مغفرة الله [بالإيمان]، ثم توسلوا إليها بالتوبة، وأيضاً التبري عن الغير إنما يكون بعد الإيمان منهم بالله، والرغبة فيما عنده".

الصفحة 102