كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "الفرائد": الاستغفار: طلب الغفران، ويستلزم اعتقاد أن ما مضى ذنب، وهو يستلزم الإيمان، لأن ما مضى منهم كفر، والاستغفار ها هنا هو التوبة عن الكفر، فعلى هذا: قوله تعالى: (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) معناه: دوموا على التوبة؛ بدلالة "ثم"، ولأن الفعل يذكر ويراد به الثبات، كقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82].
وقلت: الذي يقتضيه النظم حمل (اسْتَغْفِرُوا) على الاستغفار عن الذنوب بعد الإيمان، وحمل (تُوبُوا) على الدوام، كما يؤمر المسلمون بذلك، لأن قول هود لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) متضمن للأمر بالإيمان واختصاص الله بالعبادة، كما سبق في الأعراف في قصة نوح: أن قوله: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59]، أي: بيان لتضمنه معنى اختصاص العبادة بالله، لأنه عليه السلام قال لقومه وهم مشركون: (اعْبُدُوا اللَّهَ).
وفائدة هذا الأمر الإيذان بأن العبادة المقرونة بالإشراك ليست عبادة في الحقيقة، فخصوه بالعبادة إن كنتم تعبدونه، ثم بين بقوله: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) هذا المعنى، ثم لما أتبعه: (يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)، وجب حمله على معنى زائد عليه، وهو ما قاله في مفتتح السورة: "استغفروا، والاستغفار التوبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها".
وفيه أيضاً: أن الاستغفار سبب لإنزال البركات من السماء وكل خير، فيدخل في هذا
الصفحة 103
656