كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وقد دلت أجوبتهم المتقدّمة على أنّ القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت ولا يلتفتون إلى النصح. ولا تلين شكيمتهم للرشد. وهذا الأخير دال على جهل مفرط وبلهٍ متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم، ولعلهم حين أجازوا العقاب كانوا يجيزون الثواب.
من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمّة عطاشاً إلى إراقة دمه. يرمونه عن قوس واحدة، وذلك لثقته بربه وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم. ونحو ذلك قال نوح عليه السلام لقومه (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس: 71]، أكد براءته من آلهتهم وشركهم ووثقها بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله وشهادة العباد، فيقول الرجل: الله شهيد على أنى لا أفعل كذا، ويقول لقومه: كونوا شهداء على أنى لا أفعله.
فإن قلت: هلا قيل: إني أشهد الله وأشهدكم؟ قلت: لأنّ إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد
صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد وشدّ معاقده،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد دلت أجوبتهم المتقدمة): وهي (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ) إلى قوله: (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [هود: 53]، ودلالتها على غلظ قلوبهم من حيث تلك التوكيدات التي أشرنا إليها، وهذا الأخير- وهو قوله: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) - دال على جهل مفرط.
قوله: (من أعظم الآيات أن يواجه بهذا): "أن يواجه": مبتدأ، و"من أعظم": الخبر، والمشار إليه بقوله: "هذا": قوله: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ) إلى آخر الآية، لأنه عليه السلام قابلهم في التوكيد، وزاد عليهم.
قوله: (إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد) إلى آخره، الانتصاف: "تلخيص

الصفحة 109