كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(فَكِيدُونِي جَمِيعاً) أنتم وآلهتكم أعجل ما تفعلون، من غير إنظار، فإني لا أبالي بكم وبكيدكم، ولا أخاف معرّتكم وإن تعاونتم عليّ وأنتم الأقوياء الشداد، فكيف تضرني آلهتكم، وما هي إلا جماد لا تضر ولا تنفع، وكيف تنتقم مني إذا نلت منها وصددت عن عبادتها، بأن تخبلنى وتذهب بعقلي.
[(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)].
ولما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم، وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، من كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أعجل ما تفعلون): "أعجل": منصوب على الظرف من قوله: (فَكِيدُونِي)، أي: فكيدوني زماناً أعجل أوقات ما تفعلون، كقوله: أخطب ما يكون الأمير.
قوله: (فكيف تضرني آلهتكم): هذا يؤذن أن قوله: (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) جواب عن قولهم: (إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا) على المبالغة، وأن قوله: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) مقدمة وتمهيد للجواب، فإنهم لما سموها آلهة، وأثبتوا لها الضرر، نفى هو بقوله: (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) كونهم آلهة رأساً، ثم نفى الضرر بقوله: (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) على أبلغ وجه، كما قال: لا أخاف فسادكم ومضرتكم، فكيف بالجماد الذي هو أوهن من بيت العنكبوت.
قوله: (نلت منها): أي: عبتها واشتفيت غيظي منها.
قوله: (وصفه بما يوجب التوكل عليه): أي: في هذا المقام، ويدل أنه عليه السلام رتب

الصفحة 112