كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
والأخذ بنواصيها، تمثيل لذلك (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يريد: أنه على طريق الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم، ولا يضيع عنده معتصم به.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) فإن تتولوا. فإن قلت: الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط؟ قلت: معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ، وكنتم محجوجين بأنّ ما أرسالات به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول (وَيَسْتَخْلِفُ) كلام مستأنف، يريد: ويهلككم الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم توكله على الله والالتجاء إليه من كيدهم على الوصف المناسب، أثبت بقوله: (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) صفة المالكية والقهارية، وبقوله: (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وصف العدل، فلكونه مالكاً لا يفوته أحد، ولكونه قاهراً لا يعجزه شيء، ولكونه عادلاً لا يضع كل شيء إلا في موضعه، فمن يكون كذلك فمن حق الملتجئ أن لا يلتجئ إلا إليه.
قوله: (الإبلاغ كان قبل التولي): يعني: من حق الجزاء أن يكون مسبباً عن الشرط، والسبب مقدم على المسبب، فما باله مؤخر؟ والجواب: أن الجزاء مبني على الإخبار والإعلام والتوبيخ، يعني: توليكم عما جئت به من الحق سبب لأن أخبركم أني ما قصرت في التبليغ، وأنكم تجاوزتم حد الإنصاف، وأبيتم قبول الحق، وكنتم محجوجين، لأن الغرض في إرسال الرسل الإبلاغ، فقد حصل ذلك، فلزمتكم الحجة، قال القاضي: " (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) فقد أديت ما علي من الإبلاغ وإلزام الحجة".
قوله: ((وَيَسْتَخْلِفُ) كلام مستأنف): أي: ليس بداخل في حيز الجملة الشرطية جزاء عنه، كما في الوجه الثاني، بل يكون جملة مستقلة برأسها، معطوفة على الجملة الشرطية،
الصفحة 113
656