كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) قيل: كانوا أربعة آلاف. فإن قلت: ما معنى تكرير التنجية؟ قلت: ذكر أولاً أنه حين أهلك عدوهم نجاهم، ثم قال: (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) على معنى: وكانت تلك التنجية من عذاب غليظ، وذلك أنّ الله عز وجل بعث عليهم السموم فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضواً عضواً. وقيل: أراد بالثانية التنجية من عذاب الآخرة، ولا عذاب أغلظ منه وأشدّ.
وقوله: (برحمة منا): يريد: بسبب الإيمان الذي أنعمنا عليهم بالتوفيق له.
[(وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)].
(وَتِلْكَ عادٌ) إشارةٌ إلى قبورهم وآثارهم، كأنه قال: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف وصف أحوالهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أراد بالثانية التنجية من عذاب الآخرة): الحاصل: أن التكرير لتعليق أمر زائد على الأول؛ إما بحسب الإبهام والتفسير، على نحو: أعجبني زيد وكرمه، وإما بحسب التغاير في الذات.
قوله: ((وَتِلْكَ عَادٌ) إشارة إلى قبورهم): قال القاضي: "أنث اسم الإشارة باعتبار القبيلة، أو لأن الإشارة إلى قبورهم وآثارهم". وقلت: كأنه آذن بتصوير تلك القبيلة في الذهن، ثم أشار إليها وجعلها خبراً للمبتدأ لمزيد الإبهام، فيحسن التفسير بقوله: (جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) كل الحسن لمزيد الإجمال والتفصيل، وينصر الثاني أن هذه الآية واردة بعد هلاك القوم.

الصفحة 115