كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

فقال: (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ)، لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة: 285]، قيل: لم يرسل إليهم إلا هود وحده (كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) يريد رؤساءهم وكبراءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل. ومعنى اتباع أمرهم: طاعتهم.
ولما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله. و (أَلا) وتكرارها مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم: تهويل لأمرهم وتفظيع له، وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم.
فإن قلت: (بُعْداً) دعاء بالهلاك، فما معنى الدعاء به عليهم بعد هلاكهم؟ قلت: معناه الدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له: ألا ترى إلى قوله:
إخْوَتِى لَا تَبْعَدُوا أبَداً ... وَبَلَى وَاللَّهِ قَدْ بَعِدُوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأنهم إذا عصوا رسولهم): فيه حذف، أي: إنما قيل: (وَعَصَوْا رُسُلَهُ)، وما هو إلا رسول، لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله، كقوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 105].
قوله: (ولما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم): يعني: لما تبع عاد أمر كل جبار عنيد، وعصوا رسل الله، وكذبوا بآيات ربهم، جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين.
وفيه: أنهم لو عكسوا جعلت الرحمة تابعة لهم في الدارين، يدل عليه قوله تعالى: (نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا).
قوله: (و (أَلَا) وتكرارها): عطف على لفظة (أَلَا) على منوال التفسير.
قوله: (إخوتي لا تبعدوا أبداً) البيت: أي: كانوا في حال حياتهم مستأهلين لأن يقال

الصفحة 116