كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان لعاد: فإن قلت: ما الفائدة في هذا البيان والبيان حاصل بدونه؟ قلت: الفائدة فيه أن يوسموا بهذه الدعوة وسماً، وتجعل فيهم أمراً محققاً لا شبهة فيه بوجه من الوجوه، ولأنّ عاداً عادان: الأولى: القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى: إرم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهم: لا تبعدوا أبداً، كأنه يتعرض في المصراع الثاني على نفسه بقوله: "وبلى والله قد بعدوا"، على أنك لم قلت: لا تبعدوا؟ هذه ألفاظ يستعملونها عند المصائب، وليس فيها طلب ولا سؤال، وإنما هي تنبيه على شدة الأمر، وتفاقم الجزع، وتناهي التفجع.
قوله: (الفائدة فيه أن يوسموا بهذه الدعوة وسماً، وتجعل فيهم أمراً محققاً): وذلك أن قوله: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا) إلى قوله: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ)، بعد قوله: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً)، للدلالة على القطع في أنهم إنما استحقوا لعنة الدارين لما جحدوا بآيات الله، وعصوا رسله، وتجبروا، على منوال قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 5]، بعد قوله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [البقرة: 3].
ولما أراد أن يسجل عليهم بالطرد والهلاك، ويجعله كالوسم بهم، أوقع هذا الدعاء خاتمة لقصتهم، مصدراً بحرف التنبيه المتلقية للقسم، وأوقع (قَوْمِ هُودٍ) بياناً وصفة لذكرهم، قال الإمام: "المبالغة في التنصيص تدل على مزيد التأكيد".
وأما الوجه الثاني- وهو قوله: "ولأن عاداً عادان"- فضعيف، لأنه لا لبس في أن عاداً هذه ليست إلا قوم هود، لتصريح اسمه وتكريره في القصة، قيل: عاد الأولى: هي عاد إرم ابن سام بن نوح، وعاد الآخرة: قوم لقيم بن هلال بن هذيم، هكذا في "العرائس".

الصفحة 117