كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

أو استغفروا، والاستغفار توبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، كقوله: (ثُمَّ اسْتَقامُوا). [فصلت: 30، والأحقاف: 13].
(يُمَتِّعْكُمْ): يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنةٍ مرضية، من عيشة واسعة، ونعمة متتابعة، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى): إلى أن يتوفاكم، كقوله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]، (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ): ويُعط في الآخرة كل من كان له فضلٌ في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه، أو: فضله في الثواب، .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: (اسْتَغْفِرُوا) مما قدمتم من الشرك، والاستغفار لا يتحقق إلا بعد التوبة، لأن الاستغفار باللسان توبة الكذابين، (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي: دوموا على التوبة، نحو قوله تعالى: (وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82]، والتراخي في الرتبة.
قلت: هذا معنى الوجه الثاني: "أو استغفروا، فالاستغفار توبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها"، ومعنى الاستقامة: الدوام على التوبة، ولاشك أن الاستقامة على التوبة أعلى من التوبة نفسها.
وقال القاضي: " (ثُمَّ تُوبُوا): ثم توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة، فإن المعرض عن طريق الحق لابد له من رجوع، وقيل: استغفروا من الشرك، ثم توبوا إلى الله بالطاعة، ويجوز أن تكون (ثُمَّ) لتفاوت ما بين الأمرين".
قوله: (أو فضله في الثواب): عطف على قوله: "جزاء فضله"، فالفضل الأول بمعنى الزيادة، قال السجاوندي: الفضل: هو العمل الزائد على الإيمان، فيقدر مضاف في الثاني ليصح، وهو الجزاء، لأن العمل لا يؤتى في الآخرة، ومن ثم قال: "جزاء فضله" على الوجه الثاني، وهو بمعنى الثواب، من الفضيلة؛ واحدة الفضائل، فلا يقدر شيء، لأنه نفس

الصفحة 12