كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: كانوا تسعة، وعن السدي: أحد عشر (بِالْبُشْرى) هي البشارة بالولد، وقيل: بهلاك قوم لوط، والظاهر: الولد (سَلاماً) سلمنا عليك سلاماً (سَلامٌ) أمركم سلام،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والظاهر: الولد): اعلم أن البشارة هي الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، والظاهر: هو اللفظ المحتمل الراجح أحد محتملاته بقرينة، وها هنا: (بِالْبُشْرَى) حال من (رُسُلُنَا)، أي: لقد جاءت رسلنا ملتبسين بالبشرى، وهي مطلقة صالحة لكل ما يحصل به سرور المخبر، فعقبت بقوله: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)، وبقوله: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ).
ومن قال: إن البشرى هلاك قوم لوط، ذهب إلى أن هلاك الظلمة من أجل ما يبشر به المؤمن، قال الله تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 45]، وإليه الإشارة بقوله: "فضحكت سروراً بهلاك أهل الخبائث".
ولا شك أن الأول أظهر دلالة من الثاني؛ لتصريح ذكر البشارة فيه.
ثم قوله: (وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى): التعريف فيه للعهد الخارجي، فإذا جعل المعهود ما يفهم من قوله: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) كان من قبيل التعريف في "الذكر" في قولها: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) [آل عمران: 36] الراجع إلى معنى قوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [آل عمران: 35]، فإنه دال على أن المطلوب كان ذكراً، وإذا جعل المعهود معنى قوله: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ) كان من قبيل قولك: انطلق الرجل، والمنطلق ذو جد.
ولا ارتياب أن الثاني أظهر، ولذلك قال محيي السنة: " (وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى) بإسحاق ويعقوب"، وأشار إليه المصنف بقوله: "لما اطمأن قلبه بعد الخوف، وملئ سروراً بدل الغم، فرغ للمجادلة"، ولناصر الثاني أن يقول: إن هذه البشرى في مقابلة قوله: (فَبَشَّرْنَاهَا)، فكما أن امرأته عليه السلام ضحكت وتعجبت من تلك البشارة، و (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا

الصفحة 126