كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
وقرئ: "فقالوا سلماً قال سلم"؛ بمعنى: السلام. وقيل: سلمٌ وسلام، كحرم وحرام، وأنشد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً)، وهذا نوع من الجدال، كذلك إبراهيم عليه السلام لما بشر بهلاك القوم اهتم بشأن المؤمنين، وجادل الرسل فيهم، والله أعلم.
قوله: (وقرئ: "فقالوا سلماً"): حمزة والكسائي: بكسر السين وإسكان اللام، والباقون: بفتح السين واللام وألف بعدها، قال الزجاج: "وأما "سلم": فعلى معنى: أمري سلم"، أي: لست ممن يريد غير السلامة والصلح.
الراغب: "السلام والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، قال تعالى: (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 89]، أي: متعر من الدغل، فهذا في الباطن، وقال تعالى: (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا) [البقرة: 71]، فهذا في الظاهر، والسلامة في الحقيقة ليست إلا في الجنة، لأن فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزاً بلا ذل، وصحة بلا سقم، قال الله تعالى: (فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ) [الذاريات: 25]، وإنما رفع الثاني؛ لأنه في باب الدعاء أبلغ، فكأنه تحرى في باب الأدب المأمور به في قوله: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) [النساء: 86].
ومن قال: "سلم"، فلأن السلام لما كان يقتضي السلم، وكان إبراهيم أوجس منهم خيفة، فلما رآهم مسلمين تصور من تسليمهم أنهم قد بذلوا له سلماً، فقال في جوابهم: "سلم"، تنبيهاً على أن ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي".
الصفحة 127
656