كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات (وَإِنْ تَوَلَّوْا): وإن تتولوا، (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل، وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادرٌ على كل شيء، فكان قادراً على أشدّ ما أراد من عذابهم لا يعجزه.
وقرئ: "وإن تولوا"، من: ولى.
[(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)].
(يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ): يزورّون عن الحق وينحرفون عنه، لأن من أقبل على الشيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزاء، فكأنه قيل: يؤت كل ذي فضل ثوابه، أي: جزاء عمله، أما قوله: "والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات"، فتفسيره على الوجه الأول: فإذا لم ينقص من الجزاء شيء تكون درجة كل مكلف بمقدار فضله من الطاعات، وعلى الثاني: فإذا أعطي كل أحد جزاءه يعلم تفاوته بتفاوت تلك الطاعات، نقل محيي السنة عن أبي العالية: "من كثرت طاعاته في الدنيا زادت درجاته في الجنة، لأن الدرجات تكون بالأعمال".
قوله: (وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء): ليس المراد أن جملة قوله: (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بيان لنفس العذاب، بل المراد أن هذه الجملة بيان للجملة التي ذكر فيها العذاب، فيلزم منه بيان شدة العذاب، كأنه قيل: أخاف عليكم عذاب اليوم الكبير يوم ترجع الأمور كلها إلى القادر العظيم السلطان الواحد القهار، فأعظم بعذاب معذبه من هذا شأنه.
قوله: (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يزورون عن الحق وينحرفون عنه): يريد: أن ثني الصدور كناية

الصفحة 13