كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
أو (بعلي): بدل من المبتدأ، و"شيخ": خبر، أو يكونان معاً خبرين. قيل: بشرت ولها ثمان وتسعون سنة، ولإبراهيم مئة وعشرون سنة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أن يولد ولد من هرمين، وهو استبعاد من حيث العادة التي أجراها الله.
وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها فـ (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)؛ لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات، فكان عليها أن تتوقر، ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة صلوات الله عليهم في قولهم (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لطيف النحو وغامضه، وذلك أنك إذا قلت: هذا زيد قائماً، فإن قصدت أن تخبر به من لم يعرف زيداً أنه زيد، لم يجز؛ لأنه يكون زيداً ما دام قائماً، فإذا زال عن القيام فليس بزيد، وإنما تقول: هذا زيد قائماً لمن يعرف زيداً، فيعمل في الحال التنبيه، أي: انتبه لزيد في حال قيامه، أو: أشير إلى زيد في حال قيامه، لأن "هذا" إشارة إلى ما حضر".
وقلت: إنما جعل العلم مشاراً إليه؛ ليؤذن بأن المتكلم في هذا المقام يفيد المخاطب اتصاف المشار إليه بهذا المعنى، كقولها: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً)، أي: انتبهوا أن المانع من التوالد هذا الذي حصل من الشيخوخة، لا أنه بعلي، وإذا لم يعلم كونه بعلاً لها فالفائدة العقلية مع كونها موصوفة بالشيخوخة، فينتفي كونه بعلاً لها عند انتفاء الشيخوخة.
قوله: (أن تتوقر): بالقاف، ويروى بالفاء، يقال: توقر عليه: رعى حرمته، وتتوقر: من الوقار والرزانة.
قوله: (ولا يزدهيها)، الجوهريك "ازدهاه: استخفه وتهاون به".
قوله: (وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)): أي: إلى هذا
الصفحة 136
656