كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

ومعنى (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ): ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً، كراهةً لاستماع كلام الله تعالى، كقول نوح عليه السلام: (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) [نوح: 7]، ثم قال: (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) يعني: أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلعٌ على ثنيهم صدورهم، واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافقٍ عنده.
روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وكان يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة وله ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
واللام في "ليستخفوا" صلة "يريدون"، كقوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) [الصف: 8]، يعضده قوله: "يريدون الاستخفاء" في الكرة الثانية.
وفي تكرير كلمة التنبيه، وإقحامه بين الظرف وعامله: الدلالة على الترقي من حالة إلى أخرى أعجب منها؛ استجهالاً لهم، ونظيره إقحام حرف الاستفهام بين المعطوف والمعطوف عليه، والشرط والجزاء، كما مر مراراً.
قال السجاوندي: (لِيَسْتَخْفُوا): يطلبوا الخفاء تكلفاً.
قوله: (ونفاقهم غير نافق): تجنيس اشتقاقي، ولم يرد بهذا النفاق: ما كان يصدر من المنافقين؛ لعطف قوله: "وقيل: نزلت في المنافقين" عليه، بل ما كان يصدر عن بعض المشركين مما يشبه النفاق.
وقال الإمام: "روي أن طائفة من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ستورنا،

الصفحة 15