كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) أي: ما كان تحته خلقٌ قبل خلق السموات والأرض وارتفاعه فوقها إلا الماء، وفيه دليلٌ على أنّ العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض. وقيل: وكان الماء على متن الريح، والله أعلم بذلك، وكيفما كان فالله ممسكٌ كل ذلك بقدرته، وكلما ازدادت الأجرام كانت أحوج إليه وإلى إمساكه.
(لِيَبْلُوَكُمْ) متعلق بـ (خلق)، أي: خلقهن لحكمةٍ بالغة، وهي أن يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه، ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: (ليبلوكم)، يُريد: ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض): يريد: أن معنى الاستعلاء في قوله: (عَلَى الْمَاءِ) ليس استعلاء تمكن واستقرار، بل استعلاء الفوقية، وكان عرشه على ما هو عليه الآن، وكذا الماء، ثم إن الله تعالى خلق السماوات والأرض، ورفع السماوات فوق الأرض، روى الإمام عن الأصم هذا الوجه.
وقال القاضي: " (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) معناه: لم يكن حائل بينهما، لا أنه كان موضوعاً على متن الماء، واستدل به على إمكان الخلاء".
قوله: (ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: (لِيَبْلُوَكُمْ)): أراد أن التركيب من
الصفحة 19
656