كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

لهم لعلكم مبعوثون- بمعنى: توقعوا بعثكم وظنوه، ولا تبتوا القول بإنكاره- لقالوا: (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) باتين القول ببطلانه. ويجوز أن تضمن (قُلْتَ) معنى: ذكرت.
ومعنى قولهم: (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ): أنّ السحر أمر باطل، وأن بطلانه كبطلان السحر تشبيهاً له به، أو أشاروا بـ (هذا) إلى القرآن؛ لأنّ القرآن هو الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحراً فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...
كما نقله عن سيبويه، وأخرى أن "القول" مضمن معنى: الذكر.
قوله: (توقعوا بعثكم وظنوه): فإن قلت: هذا مخالف لمعنى المشهورة، لأن معناه القطع والبت بالبعث، وعليه المعنى؟ قلت: يحمل على الكلام المنصف والاستدراج، أي: تفكروا فيه ولا تبتوا القول ببطلانه، فإنكم إن تفكرتم عثرتم على الجزم بوقوعه، وهو أذعن للخصم.
قوله: (ومعنى قولهم: (إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)): يريد: أن هذا الجواب غير مطابق ظاهراً لقول الرسل: (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ)، لكن يريد به زبدته وخلاصته، كأنهم قالوا: إن هذا القول غرور وباطل كبطلان السحر، فيكون كناية عن معنى الباطل.
قوله: (أو أشاروا بـ (هّذَا) إلى القرآن): فالجواب- على هذا- محتو على الدليل، لأنهم إذا أنكروا القرآن، وهو مشتمل على هذا القول وغيره، فيدخل فيه إنكار هذا المعنى بالوجه البرهاني، وهو من الكناية الإيمائية، والمعنى على هذا: ولئن تلوت عليهم من القرآن ما فيه إثبات البعث ليقولن: ما هذا المتلو إلا باطل، وإليه الإشارة بقوله: "لأن القرآن هو الناطق بالبعث".

الصفحة 23