كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(إِلَّا الَّذِينَ) آمنوا، فإنّ عادتهم إن نالتهم رحمةٌ أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يكون في اللذات البدنية الدنيوية، فلهذا قال: (لِكَيْلا تَاسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد: 23]، وقال: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الرعد: 26]، ولم يرخص الفرح إلا في قوله: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: 58]، وقوله: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم: 4] ".
قوله: ((إِلاَّ الَّذِينَ) آمنوا، فإن عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا): تفسير لقوله: (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، قال القاضي: " (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) على الضراء إيماناً بالله، واستسلاماً لقضائه، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) شكراً لآلائه سابقها ولاحقها".
وقلت: قد دل عطف قوله: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) على (صَبَرُوا) على أن المراد بالصبر: الإيمان؛ لأنها ضميمته، ودل الصبر على أن المراد بالأعمال الصالحات: الشكر؛ لأنه قرينته، على ما روي: "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"، ولأن الاستثناء من الكلام السابق يقتضيه، لأن المصنف حمل الاستثناء على الاتصال، يعني: شأن الإنسان وموجب جبلته: أنه إذا أصاب الضراء بعد السراء لم يصبر- وإليه الإشارة بقوله: "من غير

الصفحة 26