كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعضه بالغاً حد الإعجاز، وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، وبعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه مخالفاً، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه بخلافه، فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء، وتناصر صحة معان وصدق إخبار، علم أنه ليس إلا من عند قادر يقدر على ما لا يقدر عليه غيره، عالم بما لا يعلمه أحد سواه".
وقلت: ومن ثم عقبه بقوله: (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود: 14].
وأما بيان ارتباط قوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ)) بالفاء بما قبله: فإنه تعالى لما بين أن الحكمة في خلق السماوات والأرض وتدبير الملك ابتلاؤه الناس، بقوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود: 7]، ولا ارتياب أن الابتلاء إنما يكون بالأعمال صالحها وسيئها، ثم لابد من الجزاء، ولا يكون ذلك إلا بعد البعث، كما سبق غير مرة، قال لحبيبه صلوات الله عليه: إذا بنيت الأمر على هذه القاعدة، وقلت لهؤلاء المعاندين: إنكم مبعوثون من بعد الموت للجزاء كذبوك أبلغ تكذيب، وإذا أوعدتهم على التكذيب بنزول العذاب العاجل استعجلوه وقالوا: ما يحبسه؟ استهزاء وسخرية، وإن أتيت بآية بينة ومعجزة قاهرة على صدق دعواك تارة اقترحوا آيات أخر تمرداً، وأخرى قالوا: افتراه؛ عناداً.
ثم إنك- أيها المتأمل- إذا أمعنت النظر، وجدت هذه السورة الكريمة إلى خاتمتها مؤسسة على تسلي الحبيب، ودفع نسبة الافتراء من التنزيل، ألا ترى حين شرع في قصة نوح

الصفحة 32