كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
كما يقول المخابر في الخط لصاحبه: اكتب عشرة أسطرٍ نحو ما أكتب، فإذا تبين له العجز عن مثل خطه قال: قد اقتصرت منك على سطر واحد (مِثْلِهِ) بمعنى: أمثاله، ذهاباً إلى مماثلة كل واحدة منها له (مُفْتَرَياتٍ) صفة لعشر سور.
لما قالوا: افتريت القرآن واختلقته من عند نفسك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه السلام، وقبل أن يسردها، كيف أتى بقوله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) عاطفاً على مثلها بعد الكلام الطويل، ولهذا ذهب مقاتل إلى أنها في محمد صلوات الله عليه، وإن توسطت بين قصة نوح عليه السلام، ولما استوفى حقها جاء بقوله: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) [هود: 49] مزيداً للتسلي، وحين ختم السورة الكريمة جيء بقوله: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ) [هود: 120] إلى قوله: (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ) [هود: 121]، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
قوله: (كما يقول المخاير في الخط): المخاير: من يقول لصاحبه: خطي خير من خطك، اكتب مثل خطي لننظر أي خطينا خير. الأساس: "خيرة بين الأمرين، فتخير، وخايره في الخط، وتخايروا في الخط وغيره إلى حكم، وخايرته فخرته، أي: كتبت خيراً منه".
قوله: (ذهاباً إلى مماثلة): مفعول له، يعني: وضع الله تعالى (مِثْلِهِ) موضع "أمثاله"، ليدل على اعتبار أفراد المعدود واحداً واحداً، وإليه الإشارة بقوله: "إلى مماثلة كل واحد منها له"، أي: للقرآن.
الصفحة 33
656