كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وليس من عند الله، قاودهم على دعواهم وأرخى معهم العنان وقال: هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إليّ وأنّ الأمر كما قلتم، فأتوا أنتم أيضاً بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم، فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام. فإن قلت: كيف يكون ما يأتون به مثله، وما يأتون به مفترى وهذا غير مفترى؟ قلت: معناه: مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترى.
[(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)].
فإن قلت: ما وجه جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله (لَكُمْ فَاعْلَمُوا) بعد قوله قُلْ؟ قلت: معناه: فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يتحدّونهم، وقد قال في موضع آخر: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ) [القصص: 50]، ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله:
فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ
ووجه آخر: وهو أن يكون الخطاب للمشركين، والضمير في (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا) لـ (من استطعتم) [هود: 13]، يعني: فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على المعارضة، لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ) أي: أنزل ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله، من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه وَاعلموا عند ذلك أَنْ (لا إِلهَ إِلَّا هو) وحده، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ): مبايعون بالإسلام بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قاودهم على دعواهم) هو من المقود، وهو الحبل يشد في الزمام، أو اللجام تقاد به الدابة.

الصفحة 34