كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

هذه الحجة القاطعة، وهذا وجهٌ حسن مطرد.
ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، وازدادوا يقيناً وثبات قدمٍ على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد.
ومعنى (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) فهل أنتم مخلصون؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهذا وجه حسن مطرد): أي: الكلام معه ملتئم آخذ بعضه على حجزة بعض، والضمائر متحدة لمخاطب واحد، بخلافه إذا جعل الخطاب في قوله: (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) للمسلمين.
وقلت: ومطرد معنى؛ لأن قوله: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ) مرتب على السابق بالفاء، وارد في تقرير ما سيق له الكلام من نفي الافتراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلقه من عند نفسه، بل هو من عند اله، ويؤيده قول المصنف: "واعلموا عند ذلك أن لا إله إلا هو، وان توحيده واجب، والإشراك به ظلم"، وليس فيه ما يدل على إثبات نبوته، كما في البقرة.
ومعنى قوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ): فهل أنتم مذعنون ومسلمون أن الذي جاء به محمد ليس بمفترى، بل هو من عند الله، وأنه تعالى أنزله ملتبساً بعلمه، فلا اختلاف فيه، كما قال: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 82]، فإن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه.

الصفحة 35