كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وقرئ: "كتابَ موسى" بالنصب، ومعناه: كان على بينة من ربه، وهو الدليل على أنّ القرآن حق، (وَيَتْلُوهُ): ويقرأ القرآن (شاهِدٌ مِنْهُ) شاهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) - من استهزاء المشركين، واقتراحهم الآيات، وطعنهم في القرآن أنه مفترى، فقيل لهم: إن كان مفترى فهاتوا أنتم عشر سور مفتريات مثله، وحين لم تقدروا عليه فاعلموا أنما أنزل بعلم الله، أي: ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز وإخبار بغيوب، وأراد أن يبين أن ذلك الطعن لم يكن من خبرة وتمييز، بل من جهل وحب للشهوات والركون إلى الدنيا، وأنهم من الذين لم يرد الله بهم خيراً، بخلاف من أراد الله هدايته، وهو على بينة من ربه، ويتلوه شاهد منه، ومن قبله كتاب موسى- قال: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) الآية [هود: 15]، وعقبها بقوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) الآية.
قوله: (ومعناه: كان على بينة من ربه، وهو الدليل على أن القرآن حق): يعني: على قراءة النصب يكون "كتاب موسى" معطوفاً على الضمير في "يتلوه"، وهو ضمير "القرآن"، ويكون المراد من "يتلوه": التلاوة لا غير، ومن "البينة": الدليل على أن القرآن حق، وبيانه: أنه تعالى عقب بقوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)، والمراد منهم: المتعنتون الذين كانوا يقترحون الآيات، ولا يعتدون بالقرآن، ويتهاونون به، كأنه قيل: أيستوي من جاءه بينة من ربه ولم يعتد بها لأنه مال إلى الأرض وأخلد إليها ومن كان على بينة من ربه، أي: اعتد بالقرآن وبالدلائل الدالة على صدقه، ثم اشتغل بتلاوته، وكان من قبل ذلك يقرأ التوراة.

الصفحة 40