كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
و (هم) الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي: ما كانوا يعجزون الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم، وهو من كلام الأشهاد (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) وقرئ: (يضعَّف).
(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أراد أنهم لفرط تصامّهم عن استماع الحق وكراهتهم له، كأنهم لا يستطيعون السمع.
ولعل بعض المجبرة يتوثب إذا عثر عليه فيوعوع به على أهل العدل، كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان: هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: "فيه تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله".
قوله: (لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به): أما التأكيد: فمن تكرير (هُمْ)، وأما التخصيص: فمن تقديم (بِالآخِرَةِ) على عامله، ومعناه: أن غيرهم، وإن كانوا كافرين بالآخرة أيضاً، لكن دون هؤلاء، وهؤلاء هم المخصوصون بالكفر الذي لا غاية بعده، ولا أمد ينتهي إليه، حيث جمعوا بين الكفر والصد عن الإيمان وإضلال الناس.
قوله: (وقرئ: "يضعف"): ابن كثير وابن عامر، والباقون: (يُضَاعَفُ).
قوله: (ولعل بعض المجبرة يتوثب إذا عثر عليه): قال في "الانتصاف": "أهل السنة وإن نفوا تأثير استطاعة العبد في الإيجاد، فلا ينفون تأثيرها، وما ينفيها جملة إلا المجبرة، والحق مع الزمخشري في هذا الأمر إلا في قوله: "فيوعوع"، وهب أن المجبرة غلطوا في الاستدلال بها،
الصفحة 43
656