كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

ويحتمل أن يريد بقوله: (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ) أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله، وولايتها ليست بشيء، فما كان لهم في الحقيقة من أولياء، ثم بين نفى كونهم أولياء بقوله (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ)، فكيف يصلحون للولاية؟ وقوله: (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) اعتراضٌ بوعيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف يستجيز أن يطلق هذا في كلام الله المجيد، وما ينبغي التسامح فيه، فإن آداب القرآن أضيق من ذلك".
قال الإمام: "واحتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يخلق الكفر في المكلف، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه تعالى يمنع الكافر من الإيمان في الدنيا، يشهد له قوله: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) - روى نحوه محيي السنة-، قال الجبائي: هذا السمع: إما أن يكون عبارة عن الحاسة، أو عن معنى يخلقه الله تعالى في صماخ الأذن، فكلاهما غير مقدور للعبد، وظاهر الآية لا يقدح في قولنا، وقال: المراد بقوله: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ): استثقالهم له ونفورهم عنه، كما تقول: هذا الكلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي".
وأجاب الإمام عن قوله: "كلاهما غير مقدور للعبد": "أن ورود الآية في معرض الوعيد، فوجب اختصاص هذا المعنى بهم، والمعنى الذي ذهب إليه عام، حتى في حق الأنبياء والملائكة".

الصفحة 44