كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قوله: "استثقالهم له ونفورهم عنه" فجوابه: "أن حصول هذا الاستثقال هل يمنع من الفهم أم لا؟ فإن منع فهو المقصود، وإن لم يمنع كان ذلك سبباً أجنبياً عن المعاني المعتبرة في الفهم، فلا تختلف أحوال القلب من العلم والمعرفة بسببه، فكيف يمكن جعله ذماً".
وقلت: أما قضية النظم: فهو أن قوله: (يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ) لا يخلو: إما أن يكون من تتمة كلام الأشهاد على سبيل الدعاء عليهم، فإنهم لما عدوا عنادهم وكفرهم المضاعف وضلالهم وإضلالهم الناس، قالوا: ليضاعف لهم العذاب يا رب. أو من كلام الله تعالى تقريراً لقول الأشهاد على الأبلغ، كأنه قيل: الأمر كما قلتم، وأنتم مستوجبون لذلك العذاب المضاعف. فموقع (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ) على التقديرين: الاستئناف على سبيل التعليل، فإن السامع لما سمع هذه التشديدات والمبالغات عظم عنده أمرهم، فقال تفجعاً عليهم: من أين دخلت على هؤلاء هذه الشقاوة؟ فأجيب: لأن الله تعالى خلقهم أشقياء، وختم على قلوبهم، حتى لا يدخل فيها الحق، وختم على سمعهم؛ لئلا يستطيعوا سماع الحق، وجعل على أبصارهم الغشاوة؛ لئلا يبصروا الدلائل الدالة على التوحيد.
فإذا كان ظاهر النظم هذا، وقد اعتضد بتفسير حبر الأمة، فلا يقال فيه ما قال! اللهم غفراً.
فلو أجيب هذا السائل بما بنى عليه المصنف كلامه، وقيل: لأنهم تصاموا عن استماع الحق وكرهوه، لم يتطابق؛ لأن تلخيص الكلام حينئذ: ما بال هؤلاء المعاندين الذين بلغ عنادهم أقصى الغاية استوجبوا مضاعفة العذاب، فقيل: لأنهم عاندوا وتصاموا وكانوا عن مقتضى البلاغة بمعزل.
ثم موقع: (أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ): الاعتراض وتأكيد ما استحقوا به من العذاب، كأنه قيل: أولئك البعداء عن كل

الصفحة 45