كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ): اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله، فكان خسرانهم في تجارتهم مالا خسران أعظم منه، وهو أنهم خسروا أنفسهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ) وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو ما (كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة وشفاعتها.
(لا جَرَمَ) فُسر في مكانٍ آخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خير كانوا مستأهلين أن يعذبوا عاجلاً، مع انهم في أنفسهم ما كانوا يعجزون الله في الدنيا، وما كان لهم أيضاً ناصر ينصرهم ويمنعهم منه، وحيث أخروا ولم يعاجلوا استحقوا أن يضاعف لهم العذاب.
قوله: (فكان خسرانهم في تجارتهم ما لا خسران أعظم منه): دلت الفاء وتفسير "ما لا خسران" بعده بقوله: "وهو أنهم خسروا أنفسهم" على أن قوله تعالى: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ) عبارة عن قوله: "اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله"، لأن الخسران من روادف ما لا ينبغي أن يشترى برأس المال، وكان رأس مالهم أنفسهم؛ لأنهم ما خلقوا إلا لعبادة الله، وحيث عبدوا غير الله فقد ضيعوا ما لأجله خلقت أنفسهم، فصح قوله: إنهم (خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ).
قوله: (مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة وشفاعتها): عطف "وشفاعتها" على "الآلهة" على منوال: أعجبني زيد وكرمه، لأن المفترى الشفاعة لا الآلهة نفسها.
قوله: ((لا جَرَمَ) فسر في موضع آخر): يعني: لفظة (لا جَرَمَ) يجيء تفسيره في سورة "حم المؤمن" مستقصى، وذكر فيه وجوهاً ثلاثة:
أحدها: أن (لَا) نفي لما ظنوا، و (جَرَمَ) فعل بمعنى "حق"، و"أن" مع ما في حيزه: فاعله، المعنى: لا ينفعهم ذلك الظن، حق أنهم في الآخرة هم الأخسرون. هذا مذهب سيبويه.

الصفحة 46