كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
[(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)].
شبه فريق الكافرين بـ"الأعمى والأصم"، وفريق المؤمنين بـ"البصير والسميع"، وهو من اللف والطباق. وفيه معنيان: أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب، وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم، أو الذي جمع بين البصر والسمع. على أن تكون الواو في (وَالْأَصَمِّ) وفي (وَالسَّمِيعِ) لعطف الصفة على الصفة، كقوله:
الصَّابِحِ فَالْغَانِمِ فَالآيِبِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهو من اللف والطباق): أما اللف: فهو ذكر الفريقين، لأن المراد بالفريق الكافر: ما دل عليه قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [هود: 18] إلى آخر الآيات، وبالمؤمن: قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [هود: 23].
والنشر: هو قوله: (كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ)، وإنما قدم "الأعمى والأصم" على "السميع والبصير"؛ لأن تلك الآيات المشار إليها واردة على هذا الترتيب، وكان ذكر المؤمنين فيها كالاستطراد لذكر الكافرين، ولهذا أوجب التأخير.
وأما الطباق: فإنه قوبل "البصير" بـ "الأعمى"، و"السميع" بـ "الأصم".
قوله: (وفيه معنيان): أي: وجهان أو طريقان في اعتبار التشبيه. الانتصاف: "في تنظير الآية ببيت امرئ القيس نظر؛ لأنه شبه كل واحد من الرطب واليابس تشبيهاً واحداً، والآية على التفسير الأول؛ شبه كل واحد من الكافر والمؤمن تشبيهين، والبيت أشبه بالوجه الثاني، لأن كل واحد منهما شبه تشبيهاً واحداً في أمرين مختلفين".
الصفحة 48
656