كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة، وأنّ الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هب أنك واحد من الملأ ومواز لهم في المنزلة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإناء، والأشراف إنما سموا بـ "الملأ" لأنهم أعضاد الملك وأعوانه؛ يدبرون أمور مملكته، قال في "الأساس": "ملأت الإناء، وهو ملآن، وأوعية ملاء، ومن المجاز: نظرت إليه فملأت منه عيني، ومالأه: عاونه، وأصلها المعاونة في الملء، ثم عمت، ومنه: هو مليء بكذا: مضطلع به".
فإذن التقدير: الملأ: الأشراف، مأخوذ من قولهم: فلان مليء بكذا، أو من: مالأه: عاونه، أو من: ملأت الإناء، أو من: ملؤ الإناء، لأنهم ملؤوا بكفايات الأمور، أو لأنهم يتمالؤون، أو لأنهم يملؤون القلوب هيبة، أو لأنهم ملاء بالأحلام، فهو من اللف التقديري، والوجه الأول أمتن الوجوه؛ لجعلهم في استقلالهم في الأمور وتمرنهم فيها كالأوعية لها، وإليه الإشارة بقوله: "لأنهم ملؤوا بكفايات الأمور"، ثم الوجه الأخير، لأن المعنى: أنهم لحسن الآراء والتدابير الصائبة ملؤوا بالأمور، قال أبو الطيب:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
قوله: ((مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا) تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة): يعني: أننا في البشرية سواء، ولنا المزية بكوننا شرفاء عظماء، لأن القائلين الملأ الذين يملؤون القلوب هيبة والمجالس أبهة، نحوه قولهم: (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف: 31].
قوله: (فقالوا: هب أنك واحد من الملأ، ومواز لهم في المنزلة): تنبيه على مكان

الصفحة 53