كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
وقرئ: (بادى الرأي)، بالهمز وغير الهمز، بمعنى: اتبعوك أوّل الرأي: أو ظاهر الرأي، وانتصابه على الظرف، أصله: وقت حدوث أوّل رأيهم، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه.
أرادوا: أنّ اتباعهم لك إنما هو شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر، وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية، لأنهم كانوا جهالاً ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال، كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم، ولقد زلّ عنهم
أن التقدّم في الدنيا لا يقرب أحداً من الله وإنما يبعده، ولا يرفعه بل يضعه، فضلا أن يجعله سبباً في الاختيار للنبوّة والتأهيل لها!
على أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا مرغبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا، مزهدين فيها، مصغرين لشأنها وشأن من أخلد إليها، فما أبعد حالهم من الاتصاف بما يبعد من الله، والتشرف بما هو ضعة عند الله ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قرئ: (بَادِي الرَّايِ) بالهمز وغير الهمز): بالهمز: أبو عمرو وحده، قال أبو علي: "من لم يهمز أراد: فيما بدا من الرأي وظهر، ومن همز أراد: أول الرأي ومبدأه، والمعنى على الأول: ما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي، أي: لم يعقبوه بنظر فيه، وعلى الثاني: اتبعوك في أول الرأي من غير أن يتبعوا الرأي بفكر وروية، والكلمتان متقاربتان معنى".
وقال أبو البقاء: " (بَادِي): ظرف، وجاء على "فاعل" كما جاء على "فعيل"، نحو: قريب وبعيد، والعامل: (مَا نَرَاكَ)، أي: نراك فيما يظهر لنا من الرأي، أو في أول أمرنا،
الصفحة 55
656