كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(مِنْ فَضْلٍ) من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوّة، (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فيما تدّعونه.
[(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ* وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ* وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ* قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَاتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)].
(أَرَأَيْتُمْ): أخبرونى (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ): على برهان (مِنْ رَبِّي) وشاهدٍ منه يشهد بصحة دعواي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة، ويجوز أن يريد بـ"البينة": المعجزة، وبـ"الرحمة": النبوّة.
فإن قلت: فقوله (فَعُمِّيَتْ) ظاهر على الوجه الأوّل، فما وجهه على الوجه الثاني؟ وحقه أن يقال فعميتا؟ قلت: الوجه أن يقدّر "فعميت بعد البينة"، وأن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو العامل: (اتَّبَعَكَ)، أي: اتبعوك في أول الرأي فيما ظهر منه من غير أن يبحثوا"، وهو المراد من قول المصنف: "أرادوا أن اتباعهم لك إنما هو شيء عن لهم بديهة"، والوجه الأول لأبي البقاء بعيد، وليس المعنى عليه.
قوله: (على أن البينة في نفسها هي الرحمة): فعلى هذا العطف من باب: أعجبني زيد وكرمه، لأن كونه عليه السلام على برهان من ربه لم يكن إلا بإيتاء الله له ما يشهد بصحة دعواه من المعجزة، وهو الرحمة بعينه، فلما كان المراد من البينة هذا فسر بقوله: (وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ)، ولذلك أفرد الضمير في قوله: (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ).

الصفحة 56