كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

فإن قلت: فبم يتعلق في القراءة الأخرى، وقولك: وأدخلهم أنا بإذن ربهم، كلام غير ملتئم؟ قلت: الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بما بعده، أي: (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) بإذن ربهم، يعني: أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فبم يتعلق في القراءة الأخرى)، أي: قراءة المتكلم؛ لأنه غير ملتئم ظاهراً، قال ابن جني: "قوله: "وأدخل الذين آمنوا" على فعل المتكلم؛ قطع للكلام واستئناف، فقال الله تعالى: "وأدخل الذين آمنوا"، أي: أنا أدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار بإذن ربهم، أي: بإذني، إلا أنه أعاد ذكر "الرب" ليضيفه إليهم، فتقوى الملابسة باللفظ، فيكون أحنى عليهم وأذهب في الإكرام والتقريب منه، ومثله قوله تعالى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50]، وقال: (إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ) [الأعراف: 96]، هذا كله تقرب منه وانتساب".
وقال في "الانتصاف": "لم لا يجعله الزمخشري من الالتفات، لأنه انتقل من التكلم إلى الغيبة، كقوله تعالى: (طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) [طه: 1 - 2]، ثم قال: (تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ) [طه: 4]؟ ".
قال صاحب "الانتصاف": "لأن ظاهر "أدخل" أنه لم يكن بواسطة، بل من الله مباشرة، وظاهر الإذن يشعر بإضافة الدخول إلى الواسطة، وبينهما تنافر، والأحسن أن يتعلق بـ (خَالِدِينَ)، لأن الخلود غير الدخول، فلا تنافر".
وقلت: القول ما قاله ابن جني، لأنه من باب التجريد، يعني: أنا أدخل بتيسير

الصفحة 589