كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
وقرئ: "وما أنا بطارد الذين آمنوا" بالتنوين على الأصل.
فإن قلت: ما معنى قوله (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ)؟ قلت: معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم. أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت- كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم- أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به من بناء إيمانهم على بادئ الرأي من غير نظر وتفكر. وما عليّ أن أشق عن قلوبهم وأتعرّف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون، ونحوه: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية [الأنعام: 52]، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استحقبه: احتمله، ومنه قيل: أحقب فلان الإثم.
قوله: (أو على خلاف ذلك): عطف على قوله: "على ما في قلوبهم من إيمان صحيح"، يعني: أنكم تزعمون أنهم ليسوا على صحة من الإيمان واليقين فأطردهم، وليس ذلك إلي، فأنا أنظر إلى ظاهر الحال، إن حسابهم إلا على ربي، فهو كما علل الله سبحانه وتعالى نهي الطرد في قوله: (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) بقوله: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) إلى قوله: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 52]، وإليه الإشارة بقوله: "ونحوه: (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ".
قوله: (أن أشق عن قلوبهم): ضمن "شق" معنى "كشف"، وعداه تعديته، أي: ما علي أن أكشف عما في قلوبهم شقاً، يدل عليه الحديث: "هلا شققت قلبه".
الصفحة 59
656