كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ)، يعني: ماأثبت دعواي بكوني ذا مال وحسب لتتبعوني، بل ما جئت إلا لرفض الدنيا جاهها ومالها، لأنهما سببا الطغيان، وإليه الإشارة بقوله: "لا أدعي فضلاً عليكم في الغنى حتى تجحدوا فضلي".
ورابعها: قالوا: (بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) [يونس: 27]، يعني: اتباع هؤلاء الأراذل الذين من صفتهم أنهم جهلاء يسرعون في متابعتك بديهاً من غير فكر وروية، وقبولك إياهم من غير أن تطلع على حالهم وتعرف سرهم: أمارات منصوبة على كونكم كاذبين. وأجاب بقوله: (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ)، يعني: ما علي أن أعلم الغيب حتى أطلع على ما في ضمائر أتباعي، فإن الأنبياء إنما يجرون الأحكام على ظواهرها، والله متولي السرائر، وإليه الإشارة بقوله: "حتى أطلع على ما في نفوس أتباعي وضمائرهم".
فإن قلت: إن كانت هذه الآية جواباً عن الشبه التي تضمنت تلك الآية، فما تلك الآيات الثلاث التي توسطت بينهما؟ قلت- والله أعلم-: هي مقدمة وتمهيد للجواب، فإن قوله: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) إثبات لنبوته، يعني: ما قلت لكم: (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ) [هود: 25 - 26] إلا عن تقدمة بينة على إثبات نبوتي وصحة دعواي، لكن خفيت عنكم وعميت حتى أوردتم تلك الشبهة الواهية، ومع ذلك ليس نظري فيما ادعيت إلا إلى الهداية، وأني لا أطمع أجراً، حتى ألازم الأغنياء منكم، وأطرد الفقراء، وأنتم تجهلون هذا المعنى حيث تقولون: اطرد الفقراء! وأن الله ما بعثني إلا في الترغيب في طلب الآخرة ورفض الدنيا، فمن ينصرني إن كنت أخالف ما جئت به، ثم شرع في الجواب على سبيل التفصيل، كما سبق.
ولما أطنب نبي الله في الجواب بتمهيد المقدمة، وأفحمهم بذلك التفصيل، وألقمهم الحجر، قالوا: (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) [هود: 32].
الصفحة 62
656