كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

(إِنَّما يَاتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ) أي: ليس الإتيان بالعذاب إليّ، إنما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه (إِنْ شاءَ) يعني إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم. وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: "فأكثرت جدلنا".
فإن قلت: ما وجه ترادف هذين الشرطين؟ قلت: قوله: (إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ): جزاؤه ما دلّ عليه قوله (لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي)، وهذا الدال في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك: إن أحسنت إليّ أحسنت إليك إن أمكننى.
فإن قلت: فما معنى قوله (إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)؟ قلت: إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمى ذلك إغواءً وإضلالاً،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرأ ابن عباس: "فأكثرت جدلنا"): قال ابن جني: "الجدل: اسم بمعنى الجدال والمجادلة، والجدال: هو الاقتواء على خصمك بالحجة، قال تعالى: (وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف: 54]، أي: مغالبة بالقول وتقوياً".
قوله: (وهذا الدال في حكم ما دل عليه): يعني: قوله: (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) جزاؤه محذوف، وقوله: (وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي) دال عليه، فيقدر له مثله، ثم هذا الدال على حكم المدلول- أي: الجزاء- على التوسع، لأن الجزاء لا يتقدم على الشرط.
قوله: (فوصل): أي قيد ما هو في حكم الجزاء وساد مسده بشرط، وهو قوله: (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ)، كما قيد جزاء قولك: "إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني"- وهو "أحسنت" الثاني- بالشرط الثاني، وهو "إن أمكنني"، فصار التقدير: إن كان الله يريد

الصفحة 64