كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

عن ابن عباس رضي الله عنه: لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا): ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ): إنهم محكوم عليهم بالإغراق، وقد وجب ذلك وقضي به القضاء وجف القلم، فلا سبيل إلى كفه، كقوله: (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) [هود: 76].
[(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ* فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَاتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)].
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حالٍ ماضية (سَخِرُوا مِنْهُ) ومن عمله السفينة، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (جؤجؤ الطائر)، الجوهري: "جؤجؤ الطائر والسفينة: صدرهما، والجمع: الجآجئ".
قوله: (وقد وجب ذلك، وقضي به القضاء، وجف القلم، فلا سبيل إلى كفه): هذه التوكيدات يوجبها إخباره تعالى إياه عليه السلام بقوله: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ)؛ إقناطاً من إيمانهم، ثم نهيه بقوله: (وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) المشتمل على علة الإهلاك، لوضع المظهر موضع المضمر، مع أنه عليه السلام لم يتوقع منه الاستشفاع فيهم

الصفحة 69