كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
فإن قلت: بم اتصل قوله (وَهِيَ تَجْرِي)؟ قلت: بمحذوفٍ دل عليه (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ)، كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون: "بسم الله"، وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ، أي: تجري وهم فيها (فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) يريد: موج الطوفان، شبه كل موجةٍ منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) جملة مستأنفة بيان للموجب، ولا تصلح أن تكون علة (ارْكَبُوا) لعدم المناسبة، فيقدر ما يصح به الكلام بأن يقال: امتثلوا هذا الحكم لينجيكم من الهلاك بمغفرته ورحمته، أو يقال: اركبوا فيها ذاكرين الله ولا تخافوا الغرق بما عسى أن فرط منكم تقصير، لأن الله غفور رحيم.
وفيه أن نجاتهم لم تكن لاستحقاق منهم بسبب أنهم كانوا مؤمنين، بل بمحض رحمة الله وغفرانه، كما عليه أهل السنة، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان: 6]؛ قال: "فإنه تنبيه على أنهم استوجبوا لمكابرتهم أن يصب عليهم العذاب صباً، ولكن صرف ذلك عنهم أنه غفور رحيم".
قوله: (أي: تجري وهم فيها): يريد: أن قوله: (بِهِمْ) في موضع الحال من فاعل (تَجْرِي)، نحوه:
تدوس بنا الجماجم والتريبا
الصفحة 79
656