كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
و (كتاب) خبر مبتدأٍ محذوف، و (أحكمت) صفةٌ له، وقوله: (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) صفةٌ ثانية، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون صلة لـ (أحكمت) و (فصلت)، أي: من عنده إحكامها وتفصيلها، وفيه طباقٌ حسن، لأنَّ المعنى: أحكمها حكيم وفصلها- أي: بينها وشرحها خبيرٌ عالمٌ بكيفيات الأمور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رتبت الأخبار بعضها على بعض".
واختلاف المعنيين بحسب اختلاف تفسير اللفظين، أعني: (أُحْكِمَتْ) و (فُصِّلَتْ)، روى المصنف عن قتادة: "أحكمت آياته من الباطل"، وهو من قوله تعالى: (لا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت: 42].
وقال الإمام: "إحكامها: عبارة عن منع الفساد، أي: لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب المتقدمة، أو أنها محكمة في أمور: أحدها: أن معانيها التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وهي في غاية من الإحكام، وثانيها: أن آياتها غير متناقضة، والنقض ضد الإحكام، وثالثها: أن ألفاظها بلغت في البلاغة والفصاحة بحيث لم تقبل المعارضة، وهي مشعرة بالإحكام.
وأما اللفظ الثاني: ففيه الوجوه الأربعة المذكورة في الكتاب، فإذا أريد ما قاله قتادة: "أحكمت من الباطل، ثم فصلت كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام"، كان من باب التراخي في الرتبة، لأن التفصيل أقوى من الإحكام. وإن أريد بت "الإحكام": ما ذكره الإمام من الوجوه، وبـ "التفصيل": تفصيل السور والآيات، أو التفريق في التنزيل، كان من باب الإخبار، كما ذكره أبو البقاء.
الصفحة 8
656