كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

قال له: لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصمٍ واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعني: السفينة. وقيل: (لا عاصم): بمعنى: لا ذا عصمةٍ إلا من رحمه الله، كقوله: (ماءٍ دافِقٍ) [الطارق: 6]، و (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة: 21]. وقيل: (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) استثناء منقطع، كأنه قيل: ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، كقوله: (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) [النساء: 157]. وقرئ: "إِلَّا مَنْ رَحِمَ" على البناء للمفعول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسب للحكم، وإنما أتى في هذا الوجه بقوله: "وكان لهم غفوراً رحيماً" مع أن الرحمة شائعة في الوجوه؛ لأن الإضافة للتعريف، ولابد من معهود سابق، وهو السفينة.
قوله: (وقيل: (لا عَاصِمَ): بمعنى: لا ذا عصمة): وقال الزجاج: "يجوز أن يكون (عَاصِمَ) في معنى: معصوم، أي: لا ذا عصمة، كما قالوا: (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) [الحاقة: 21]: أي: مرضية، و (مَن) في موضع رفع، أي: لا معصوم إلا المرحوم".
وقال أبو البقاء: " (عَاصِمَ) بمعنى: ذي عصمة على النسب، مثل: حائض وطالق، والاستثناء متصل، وخبر (لا): (مِنْ أَمْرِ اللهِ)، و (الْيَوْمَ) معموله، ولا يجوز أن يكون (الْيَوْمَ) معمول (عَاصِمَ)، إذ لو كان لنون، ولا يجوز أيضاً أن يكون خبراً؛ لأن (الْيَوْمَ) ظرف، فلا يصح حمله على الجثة".
قوله: (إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) استثناء منقطع، كأنه قيل: ولكن من رحمه الله فهو المعصوم): قال الزجاج: "فعلى هذا موضع (مَن) نصب، المعنى: لكن من رحم الله فإنه معصوم"، فالمعصوم ليس من جنس العاصم، لأن اسم المفعول غير، واسم الفاعل غير، كما أن الظان غير العالم في قوله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ) [النساء: 157].

الصفحة 83