كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وأقلعت الحمى (وَغِيضَ الْماءُ) من غاضه: إذا نقصه (وَقُضِيَ الْأَمْرُ): وأنجز ما وعد الله نوحاً من هلاك قومه (وَاسْتَوَتْ): واستقرّت السفينة، (عَلَى الْجُودِيِّ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترشيح، لأنه صفة ملائمة للمستعار منه، وأن الإقلاع يجري مجرى التجريد، لأنه صفة ملائمة للمستعار له، ولهذا قال: "أقلع المطر"، وإنما اختير الترشيح الذي هو أبلغ في جانب الأرض، والتجريد في السماء، لأن إذهاب الماء لما كان مطلوباً أولياً، وليس للسماء فيه سوى أن تمسك ما كانت تدر، فقيل: (أَقْلِعِي)، وإنما الأرض هي التي تقدر على الإذهاب المطلوب بأن تمسك ما كان ينبع منها، وتنشف ما فيها، فقيل: (ابْلَعِي) على المجاز.
قوله: ((وَغِيضَ الْمَاءُ) من: غاضه: إذا نقصه): ظاهر هذا التفسير مشعر بأن قوله: (وَغِيضَ الْمَاءُ) إخبار عن حصول المأمور به من قوله: (وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي) و (يَا أَرْضُ ابْلَعِي)، فالتقدير: قيل ذلك لهما، فامتثلا لما أمرا، ونقص الماء. وكلام صاحب "المفتاح" بخلافه، حيث قدر: قيل: يا سماء أقلعي فأقلعت، ويا أرض ابلعي ماءك فبلعت، وغيض طوفان السماء. خص "غيض الماء" بطوفان السماء؛ لما علم من قوله: "فبلعت" نضوب ماء مختص بالأرض، ولما لم يعلم نضوب ماء مختص بالسماء، تبين ذلك به، فمعنى: "غيض الماء" على هذا: ما قاله الجوهري: "غاض الماء يغيض غيضاً: قل ونضب"، أي: غار وسفل.
ولعل هذا الوجه أملأ فائدة وأدق مغزى، وبه تظهر فائدة تخصيص ذكر "الماء"، وإضافته إلى ضمير "الأرض".
أما الأولى: فكما قال صاحب "المفتاح": "إنما لم يقل: (ابْلَعِي) بدون المفعول؛ لاستلزام تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء بأسرهن، نظراً إلى مقام ورود الأمر الذي هو مقام عظمة وكبرياء".

الصفحة 86