كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وهو جبل بالموصل (وَقِيلَ بُعْداً) يقال بَعُدَ بُعْداً وبَعَدا، إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ونحو ذلك، ولذلك اختص بدعاء السوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثانية: كما أشار إليه بقوله: "قال: (مَاءَكِ) بإضافة "الماء" إلى "الأرض" على سبيل المجاز؛ تشبيهاً لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح"، تم كلامه.
فإذن الإضافة أخرجت سائر المياه، وخصصت الماء بالماء الذي بسببه صارت الأرض مهيأة للخطاب كالمطيع المنقاد الوارد عليه أمر الآمر المطاع، وهو المعهود في قوله: (وَفَارَ التَّنُّورُ)، وبهذا الاعتبار يحصل التوغل في تناسي التشبيه، والبناء على الأصل ترشيحاً، ولو أجريت الإضافة على غير هذا يكون كالتجريد للاستعارة، وأنت تعلم أن الترشيح أبلغ، ومقام التمثيل والتصوير له أدعى وأهنأ، ولو حمل على العموم لاستلزم ذلك ما ليس بمراد من تعميم ابتلاع المياه بأسرها لورود الأمر الذي هو مقام العظمة والكبرياء.
وعلى هذا ينتظم "غيض" في سلك "قيل" و"قضي"، ولا يكون تابعاً للأمرين، وإليه أشار بقوله: "أصل الكلام: قيل: (يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) فبلعت ماءها، (وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي) عن إرسال الماء، فأقلعت عن إرساله، (وَغِيضَ الْمَاءُ) النازل من السماء، ثم أتبعه ما هو المقصود من القصة، وهو قوله: (وَقُضِيَ الأَمْرُ) ".
قوله: (من حيث الهلاك): متعلق بـ "أرادوا"، أي: إنما يقولون: بعد بعداً، إذا أرادوا

الصفحة 87