كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم أقول- والعلم عند الله-: يمكن أن يقال: إنه من باب الإخبار، وإن المتكلم ينبه السامع على ما اشتمل عليه الكلام من المعاني الفائقة الرائقة، ويقول: إني أنظرك- أيها المتأمل- ملياً في التروي فيما أورده عليك، واستنباط معانيه ودقائقه، واستخراج نكاته ومحاسنه، فحينئذ يقول: شبه ما تضمنه من المعاني المحكمة الرصينة، نحو: دلائل التوحيد، والنبوات، والمعاد، ووضع الأحكام، والإخبار عن القصص والمغيبات، في أن لا اختلاف فيها ولا اضطراب، بالبناء المحكم المرصف الذي لا نقض فيه ولا خلل، مثاله من هذه السورة الكريمة: الكلمة الفاذة الجامعة: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112]، وشبه ما اشتمل عليه من الألفاظ الحسنة الرشيقة المفرغة في القوالب البديعية بتفصيل القلائد بالفرائد، مثاله فيها: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي) [هود: 44].
ثم علل كلاً من الخلتين بما يناسبها من الوصفين، فإن الحكيم: من يحكم الأشياء ويتقنها، ولذلك أحكمت معاقدها، والخبير: من يكون عالماً بحقائق الأشياء، يدرك ما لطف منها وما دق، فيحسن نيقتها، ومن ثم ترتيب مبانيها، فينطبق على هذا التأويل قوله: "هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، أحكمها حكيم، وفصلها خبير".
وقال السجاوندي: ضمنت الحكم والإحكام، ومنعت الخلل والزلل؛ لفظاً ومعنى، من لدن حكيم في وضع محاسن الأخلاق بإتقان الآيات، خبير في أمر مناظم الأعمال بمصالح السياسات.
وقلت- والله أعلم-: فكما وصف المنزل بالإحكام والتفصيل، ونعت المنزل بالحكيم والخبير، وصف المنزل عليه بالنذير والبشير، وأمر أمته بالتحلية بالعبادة، والتخلية بالاستغفار والإنابة.
الصفحة 9
656