كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

وعن قتادة: استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين ومئة يوم، واستقرّت بهم على الجودي شهراً، وهبط بهم يوم عاشوراء. وروي: أنها مرت بالبيت فطافت به سبعا، وقد أعتقه الله من الغرق. وروي أنّ نوحاً صام يوم الهبوط وأمر من معه فصاموا شكراً لله تعالى.
[(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)].
نداؤه ربه: دعاؤه له، وهو قوله (رَبِّ) مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله. فإن قلت: فإذا كان النداء هو قوله: (رَبِّ) فكيف عطف "قالَ رَبِّ" على "نادى" بالفاء؟ قلت: أريد بالنداء إرادة النداء، ولو أريد النداء نفسه لجاء، كما جاء قوله (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ) [مريم: 3 - 4] بغير فاء.
(إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أي: بعض أهلي، لأنه كان ابنه من صلبه، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) وأن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به، وقد وعدتني أن تنجي أهلي، فما بال ولدي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنها غير ملتفت إليها، فعلم فضل ذلك مع حسن هذه الصنعة، فهي مرادة من وجه وغير مرادة من آخر.
قوله: (من اقتضاء وعده في تنجية أهله): أي: دعاؤه ربه كان طلباً لقضاء ما وعده ربه من نجاة أهله، فـ "من" بيان لـ "دعاؤه". في "المغرب": "تقاضيته ديني وبديني، واستقضيته: طلبت قضاءه، واقتضيت منه حقي: أخذته".

الصفحة 90