كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

فإن قلت: فهلا قيل: إنه عمل فاسد؟ قلت: لما نفاه عن أهله، نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي، وآذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم، لا لأنهم أهلك وأقاربك. وإنّ هذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوّتك، كقوله (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) [التحريم: 10].
وقرئ: "عمل غير صالح"، أي: عمل عملا غير صالح. وقرئ: (فلا تسئلنّ)، بكسر النون بغير ياء الإضافة ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بكلمة النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي): يعني: أن "غير" ها هنا تنفي ما بعدها، وتستبقي فيما قبلها من جنس ما نفاه، وهو الصلاح، كالاستثناء المفرغ، فإنه يدل على أن المستثنى منه أي جنس هو، فعلى هذا قوله: "إنما أنجي من أنجي من أهله" معناه: إنما أنجي من أهلك لصلاحهم، لا أنهم من أهلك، يعني: نفى أن ابنه من أهله، ثم نفى عنه صفتهم؛ ليدل على أن ذلك النفي لأجل انتفاء هذه الصفة فيه، فلو لم تكن هذه الصورة معتبرة في اعتبار معنى الأهلية، لم يصح (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ).
قال في "الانتصاف": "ومنه: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214]، وإن كان الإنذار على العموم، لكن لما كانت الأهلية مظنة الاتكال خص، ولهذا أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا أملك لكم من الله شيئاً) ".
قوله: (وقرئ: "عمل غير صالح"): بكسر الميم ونصب "غير": الكسائي، والباقون: بفتح الميم مع التنوين ورفع "غير".
قوله: (فَلا تَسْأَلْنِي) بكسر النون): الجماعة غير نافع وابن عامر، فإنهما قرءا: "فلا

الصفحة 93