كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)
وذكر المسألة دليل على أنّ النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه.
فإن قلت: لِمَ سمي نداؤه سؤالا ولا سؤال فيه؟ قلت: قد تضمن دعاؤه معنى السؤال وإن لم يصرح به، لأنه إذا ذكر الموعد بنجاة أهله في وقت مشارفة ولده الغرق فقد استنجز. وجعل سؤال ما لا يعرف كنهه جهلاً وغباوة، ووعظه أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من أفعال الجاهلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإما أن يتعلق بالمستقر في قولك: (لَكَ)، كما تقول: أليس لك فيه رضا".
وحاصل هذا الوجه: أن (عِلْمٌ) اسم (لَيْسَ)، و (لَكَ) خبر، و (بِهِ) يتعلق بالجر، وكذلك قوله: (مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ).
قوله: (وذكر المسألة دليل على أن النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه): لأن المسألة كالشفاعة في حقه، وطلب نجاته، واستنجاز وعده، وذلك إنما ينفع إذا لم يكن قد غرق، بل كان على مشارفة الهلاك.
فإن قلت: هذه المسألة مذكورة بعد قوله: (فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ* وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) الآية، فكيف يتصور أنه لم يغرق بعد، وأنه على مشارفة من الهلاك، ولهذا السؤال القوي قال القاضي: "فقال: إن ابني من أهلي، وما له لم ينج؟ ".
قلت: مرد قصة سفينة نوح عليه السلام أولاً على الترتيب الأنيق إلى أن ختم بقوله: (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود: 44]، ثم ذكر نداءه ربه في شفاعته في ابنه الواقع في أثناء تلك القصة عند مشارفته الهلاك، لتكون القصة كالمستقلة، على وزان قصة البقرة في تقديم
الصفحة 95
656