كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما كان يعتقد كفر ابنه حتى يخرج من الأهل، ويدخل في المستثنى، فلهذا سأل، وهذا بإقامة عذره أولى أن يكون عتباً، فإن نوحاً عليه السلام لا يكلفه الله تعالى علم ما استأثر به.
وأما قوله: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ): أي: في المستقبل بعد أن أعلمه الله باطن أمره، وأنه إن سأل بعد ذلك كان من الجاهلين، أو نهي النبي عن أمر لا يقتضي صدوره عنه، ولذلك أمسك النبي واستعاذ منه".
وقلت: قول المصنف: "وكان عليه أن يعتقد" إلى قوله: "وأن يخالجه شك حين شارف ولده الغرق في أنه من المستثنين- أي: من الذين سبق عليهم القول-، لا من المستثنى منهم"، أي: من جملة الأهل في قوله: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) حق، لأنه عليه السلام حين قال لابنه: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) - أي: من زمرتهم والمعدودين فيهم، وهو أبلغ من أن لو قال: "ولا تكن كافراً"-، وأجابه بقوله: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ) إلى قوله: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ)، وجب عليه أن يعتقد أنه من المستثنين، ومثل هذه القضية من الأمارات، بل من الدلالات التي لا يبقى معه شك، فكيف قال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)، أي: من المستثنى منهم البتة؟ ! حيث صدر بقوله: (رَبِّ) مستعطفاً، وأردفه بـ "إن" المؤكدة، وضم معه (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ)، وذيله بقوله: (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).
قال القاضي: "استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال، وأغناه عن السؤال، لكن شغله حب الولد عنه، حتى اشتبه الأمر عليه".

الصفحة 97