كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 8)

[(قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ)].
(أَنْ أَسْئَلَكَ) من أن أطلب منك في المستقبل ما لا علم لي بصحته، تأدباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) ما فرط مني من ذلك (وَتَرْحَمْنِي) بالتوبة عليّ (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أعمالاً.
[(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ)].
وقرئ: "يا نوح اهبط" بضم الباء، (بِسَلامٍ مِنَّا) مسلماً محفوظاً من جهتنا أو مسلماً عليك مكرّماً (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ومباركاً عليك، والبركات الخيرات النامية، وقرئ: "وبركة" على التوحيد، (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) يحتمل أن تكون "من" للبيان. فيراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، لأنهم كانوا جماعات. أو قيل لهم: أمم، لأنّ الأمم تتشعب منهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والبركات: الخيرات النامية): قال الراغب: "البرك: صدر البعير، وبرك البعير: ألقى بركه، واعتبر منه اللزوم، وسمي محبس الماء: بركة، والبركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96]، وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة، ولما كان الخير الإلهي يصدر على وجه لا يحس ولا يحصى قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مبارك، وفيه بركة".

الصفحة 98